- الحلم الإسلامي - إشراقات من أجل عالم أكثر قراءة

السبت، فبراير ٠٥، ٢٠٠٥

هل نحن حياة و موت أم بين موتين

في خلال مطالعتي لمجلة المعالم العمانية في العدد التاسع طالعني مقال بعنوان الحياة بين ركام الموتى ( قراءة في فلسفة الموت ) واستسلمت له مشاعري كلها كأني أصبحت لا أمتلكها، كأنما أخذني – الكاتب - في سفر في خضم حياة أخرى، أستنشق من هواء عباراته وأشرب من ماء حقائقه و أتغذى من أفكاره رحلة ليست كأي الرحلات من يركب في مركبه لا يجد نفسه إلا وقد رسا المركب به في آخر عباراته ، ويتمنى أن يعود مرة أخرى إلى قراءته ومن يقرأه يحس بما أحسست به و أكثر ، فدعنا الآن نرحل سويا نقطف من بعض أزهاره ، ونتجول في سماءه ، ونسبح مع – الكاتب- في نهره العذب الزلال فهلا انطلقنا على بركة الله.

كعادة كل رحلة لا بد من دليل نسير عليه وخط نرسمها لأنفسنا وإلا تهنا ولا ندري إلى أين نتجه ، فما بالك برحلة غريبة من نوعها ، فلا بد لها من خطط ودراسة ، فندع الكاتب هو الذي يساعدنا في رسمها حتى نعرف كنه هذه الرحلة فهو يبن في بداية المقال طبيعة الرحلة عندما يقول ( ولا حياة بلا فكر ولا معنى لمسيرنا ومصيرنا إذا لم تكن في نفوسنا أشياء متعلقة برقابنا ، وديون لا بد من تأديتها ، وأمانات لا بد من ردها لأصحابها .... ) قد تبادرني بسؤال وتقول إذا كان هذا دليل الرحلة الذي لم نفهم من مغزاه إلا معاني الكلمات التي ترسل بصيص النور لنفسها ، فكيف نستقي منه دليلنا أم كيف نأخذه كنور لرحلتنا المجهولة ؟ أقول لك حينها ألم اقل لك إنها رحلة غريبة من نوعها ، فأمسك بيديك حينها وأقول لك دعنا الآن من هذا وذاك فالكاتب ينتظرنا فهيا بنا ...

إن القيمة التي ندفعها نحن ثمنا لأفكارنا هو الرصيد الذي يبقى و ( الأسطورة) التي لا تختفي بتواريها تحت الأنقاض أو تشتت أشلائنا تحت نيران الفتك الأعمى ( فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ) ، بهذه العبارات يقابلنا الكاتب ويرحب بنا ثم يبدأ الإبحار فالرجاء أخذ الحيطة و الحذر ...

يقول الكاتب: ( كثيرون هم، من يدعون حمل فكرة ما ولكن قلة هم من يستطيع أن يحول فكرته إلى موقف لا يحول بينه وبينها سوى الموت، ولا تنتهي حركته إلا بانتهاء روحه بل إن معنى الموت يبقى ما بقيت فكرته.. ) فهل تكون منهم أيها القاريء أم إنك بعيد كل البعد عنهم ، فإن هذه واحدة فقط من عظائم الفكرة كما يقول الكاتب : ( وتلك إحدى عظائم الفكرة ... تتعالى على فتنة الناس مع شدتها و تنتصر معانيها في نفوسنا على كل الحظوظ والمقاسم.. وترفعنا إلى الأوج الذي يشرف إنسانيتنا ... ويحفظ ماء وجوهنا ..) و يستمر الكاتب في نثر درره فكأنك بدأت في فهم جزءا من هذه الرحلة، وبعد ذلك يستمر قائلا: ( قد ننجو بأنفسنا في مقابل هزيمة أفكارنا وقد ننعم بملذات لا تنتهي عندما نتنازل عنها أو نساوم قيها.. ولكنها نجاة خاسرة ولذة بين لفح الجحيم .. إنها الخسارة بكل معانيها حين تبقى الحياة بلا فكرة .. وأن نعيش في حطامها بلا حرية ... كمن يساق إلى الهلاك على طريق وردي وفي عنقه ورجليه سلاسل من ذهب ) بعد هذا وذاك لا أجد مجالا للحديث بل أتنحى جانبا وأترك مع الكاتب وأكون مستمعا إليه فيا لهول الرحلة إن لم تكن من أربابها وعلى أقل تقدير من حملة أفكارها فالصمت كما قيل أبلغ لهؤلاء. فيستطرد الكاتب في شرح كنه الرحلة أو الحياة التي يرجوا أن يعيشها – إن كان يسمح لي في التعبير عنها – فيقول مستطردا ( ربما نرفع شعارات نملأ بها سماء الأفق ونثير جعجعة بين ردهات هذا العالم ...بيد أن هذا وحده لا يكفي ... ولن يكفي .. إلا إذا كانت قيمة تلك الشعارات هي أنفسنا و ذواتنا , وأموالنا وأهلونا .. وعندها لن نتهم أنفسنا بالتقصير ولن يتهمنا الآخرون بمزايدات لا نربح منها إلا الخسارة ، أو بصفقات ترفع أسهم ضياعنا في سوق الهزيمة و الاستسلام ... ) الرحلة في بدايتها بعد فما زال هنالك الكثير مما يريد أن يوصله إلينا حتى نفهم مغزاه فها هو يقول ( نعم، ليس مهما كيف تموت ولكن من المهم من أجل ماذا تموت، وما هو المعنى الذي سيتركه الموت بعدنا.. شتان بين الأمرين .... فالطريق إلى الموت كائن لا محالة وهو قدر لا تملك كل أسلحتنا وأدواتنا و جبروتنا أن ترده و الموت هو الموت لكل أحد.. لن تختلف اللغة بين موت عمر و بين موت أبي جهل... ولكن المعنى الذي تقرأه من موت أحدهما أو كلاهما يجعل لمعنى الموت بعد أوسع من الحياة ذاتها.. ومدى تضيق عنه كل طرق اللغة و أساليبها..) و يستمر بعد ذلك في بيان وتوضيح هذا الفكرة وكأنه دليل يشرح لنا المناطق التي نمر عليها ولكن شتان بين هذه الرحلة وتلك وكأننا بدأنا ندخل مركز الدائرة أو الرحلة فيقول ( تبتلع الأرض كل يوم آلاف الموتى ولا يهتز لموتهم أحد حتى تراث الأرض .. وربما يموت واحد فتهتز له أركان الأرض برمتها .. ولكنها حتى باهتزازها لا تعطيه القيمة الحقيقية للموت .. ولكن قد يدفع الثمن اللازم ليلحق بركب الموتى .. لأن الموت ليس هدفا بذاته ، بل المعنى من الموت هو ما نريد ونطلب ) ويضرب لذلك الأمثلة حتى تتضح الفكرة ( مات محمد صلى الله عليه وسلم وسجي في قبر ضيق ولكن نقي معنى الرسالة والوحي ، ومات أبو بكر وعمر وعثمان وعلي فذهبت الدول بقي معنى الخلافة الراشدة ومات أبو بلال وصحبه ولكن بقي معنى الحق ومات الصلت ومن معه فدالت الدول و بقي معنى الشجاعة القوة ومات سيد قطب و أتباعه على عيدن المشانق ولكن بقي معنا الثبات على المبدأ ومات محمد الدرة وإيمان حجو برصاص الغدر ولكن بقي معنى الطفولة الطاهرة ومات يحي عياش ومحي الدين الشريف ورائد كرمي ولكن يقي معنى الشهادة ومات قيس ليلى وكثير عزة ولكن بقي معنى الحب ... ) والآن يتجه إلينا بالسؤال ليضمن التفاعل معه ( فما هو الأثر الذي نتركه بعد موتنا تلك هي الحقيقة الكبرى ، وما يجب أن يشغل بالنا ونحن نبحث عن الموت .. أو نبحث عن الحياة بين ركام الموتى... ) فلا تنظر إلى من بجانبك إنه سؤال موجه إليك أنت بالذات فماذا عسى أنت مجيب فها هو يقول لك ( تلك حقيقة ماثلة .. ولكن قلما ننتبه لمعناها .. ومن انتبه منا هو العزيز بين الأذلة .. القوي بين الضعفاء .. الحي بين أجساد الموتى المقبورين ) وها هو يوجه بكل صرامة ( إن الأمة التي تتردد بين الموت وعد الحياة فلا هي تجد الأولى لترتاح من عنت الذلة والهوان ولا هي في حياة تعز به نفسها ... فلسنا بين موت وحياة بل نحن بين موتين و إن لا بد من إحداهما فلم نحيا ... ) فلا نستطيع إيقاف الكاتب الآن ليبين لنا ولكنه يستمر ونعرف بعد ذلك بأنه يبين الفكرة ويفصلها فيستمر قائلا ( صمت مطبق في أحلك أوقات الزمن الصاخب .. عبودية لا مثيل لها في وقت أحوج ما نكون فيه إلى الحرية.. وهوان لم نسبق إليه فهل نحن أحياء ... قد تكون أطرفنا في حركة ما .. وقد لا تفتأ ألسنتنا فن القيل والقال .. وربما تمتد أيدينا بالسؤال والاستجداء ... ولكن الميت فينا تلك القلوب... فهل نحن أحياء .. أي معنى لحياة لا حرية فيها .. وأي قيمة لفكرة طالما نلوكها بألسنتنا صباح مساء ولا تتحول إلى موقف.. أي طبع لئيم أشد من إرتكاسنا في الحمأة .. و سجودنا تحت أ قدام أحفاد الخنازير.. ) بعد ذلك يطلقها بكل قوة ويبين الحقيقة- حقيقتنا - جلية فيقول ( نبني آمالنا على أوهام ونشيد قصور مستقبلنا على رمال متحركة ونقابل الواقع بالهروب إلى الوراء ونهدم بيوتنا لنمهد الطريق إلى نهايتنا ... تلك هي حقيقتنا ) ويبين بعد ذلك الحل فيقول ( ومن العار أن ندفن رؤوسنا في الوحل هربا من مواجهة الحقيقة .. أو نبرر هزيمتنا بدعاوى من نسيج خيال تقوقعنا فلنمت إذا ولكن لن يكفينا الموت لنحيا ؟ لن يكفينا الموت وحده لأن الموت عندئذ طعمه المر ولا نعرف مذاقه الحقيقي إلا عندما نموت موت موتا له معنى موتا يجعلنا أحياء كما قال الله تعالى ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ) وتلك هي الحقيقة الثانية ..ويواصل الكاتب في ذكر الحقيقة الثالثة ويقول ( ربما لا نعرف من مات منهم موتا حقيقي .. ولا يهمنا أن نعرف .. ولكن الروح الفعاعلة تبقى مرفوعة في عالم الضمير .. هنا في الأحياء أو الأموات .. تذكرهم كلما غفلوا .. وتوقضهم كلما أخذهم نعاس النوم .. وتوجهم نحو العالم العلوي حيث الكرامة والعزة والشهادة .. وهنا مكمن السر في أن آلاف الموتى ( الأحياء ) ما تزال تجري فبنا دماؤهم .. يكفينا ذكر أسمائهم .. أو قراءة سيرهم ..أو الترحم على أرواحهم .. لتسري فينا تلك الروح الحية .. وتذكرنا بأمور قد فغلنا عنها أو شغلنا باللهو فنسيناها.. تبقى رغم تعاقب الزمن .. وتخلد معانيها فيما تيب غيرها في مدائن النسيان ومقابر التأريخ .. وتلك هي الحقيقة الثالثة .. ولندع الكاتب يواصل ( ولموت ليس مرحلة معرفة الحقيقة بالنسبة للميت فحسب.. ولكنها أيضا مرحلة المراجعة الحرة بالنسبة للحي.. يعلمنا الجسد المسجى على الألواح بأن للحياة بعد آخر غير الذي نبصر ... وبأن الدموع التي تجري منا حين نفارق أحدهم إنما هي قطرات من الموعظة الكبرى .. وبعد هذا وقبله أن نعي حقيقة أنفسنا حين نوضع في هذا الموضع ونعرف حقيقة أفكارنا ومواقفنا .. وإلى أي مدى نبصر ذواتنا )

ولن ينفع البكاء شيئا ولو جرت الدموع كالأنهار.. ولن ينفع العويل ولو صرخنا بملء ألسنتنا.. ولن تتحرك أقدامنا حركة واحدة ما دامت القلوب هامدة كالحجر... ولن نذكر في سجلات الأحياء أو حتى سجلات الأموات ...لأن الموت هو الموت .. سواء كنا أحياءً نمشي فوق الأرض أو أمواتا تحت الأرض... ما يبقى هو المعنى .. عندما نعي معنى الدموع.. ونعرف حقيقة الألم .. تزداد معرفتنا بحقيقة الموت .. هنا نستطيع أن نحيا.. وتحت هذا الشعار الكبير ننادي الحياة والأحياء ونستحق الأوج الذي يشرف به العظماء.. وتلك الحقيقة الأخرى.( ويختم الكاتب مقاله بهذه العبارات التي تنتهي عندها رحلتنا فماذا عسى أن يكون شعورك بعد هذه العبارات .

إننا نودع كل يوم أحبابا لنا.. ليس وداع حي لميت.. ولا وداعا لا لقاء بعده.. ولكنه وداع تسليم الراية .. ويقولون : ها قد قدمنا للفكرة أعز ما نملك .. فهل أنتم على الأثير .

فها هو المركب قد رسى عند هذه العبارات وأظنها كانت رحلة كما قلت لك غريبة ليست ككل الرحلات فإن وافقت الكاتب في أفكار فذاك وإلا كان نصيبك كما يقول الكاتب العيش تحت ركام الموتى. هذا السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.