- الحلم الإسلامي - إشراقات من أجل عالم أكثر قراءة

الأحد، فبراير ٢٧، ٢٠٠٥

الروحانية بين موت الحياة وحياة الموت


قد تستغرب من أول وهلة لقراءتك للعنوان ، ولكن قد توافقني الرأي عندما نبحر قيلا في واقع الناس ونقرأه بتمعن (من خلف السطور أو من وراء الكواليس) فدعني الآن وبسرعة نبحر سويا في واقع الناس في هذا الزمان وما آلوا إليه :
الواقعة الأولى : كنت في يوم من الأيام في زيارة لأحد الأصدقاء وإذا بنا نفاجأ بحادثة وفاة في تلك القرية وهذا ليس بغريب طبعا فهناك آلاف المسلمين وغير المسلمين في جميع أرجاء المعمورة يموتون وآلاف الضحايا تبتلعهم وتضمهم الأرض إلى بطنها على مرأى ومسمع من العالم فلا أحد يغيث المنكوبين والمستضعفي ن ولا سامع لصرخاتهم ونداءاتهم فقد صدق فينا قول الشاعر :
لقد أسمعت لو ناديت حيا *** ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو نارا نفخت بها أضاءت *** ولكن أنت تنفخ في رماد

ولكن الغريب في هذه الحادثة أن أغلب الناس المشيعين للجنازة - وكلهم وبحمد الله مسلمون- حالهم كحال الخارج لصلاة العيد وما أظنك بحاجه إلى تصوير ذلك ( ملابس في غاية الروعة ، عطر فواح ، ضحكات صاخبة ... إلى غير ذلك ) فهل وصل حالنا إلى هذه الدرجة من موت القلوب وهل هذا نفسره بقول الشاعر:
إذا ضاع الإيمان فلا أمان *** ولا حياة لمن لم يحي دينا
آه آه ...أين تأثره صلى الله عليه وسلم فعندما نقرأ ونسمع سنته وسيرته صلى الله عليه وسلم نرى كيف كان حاله عندما يتوفى أحد من أصحابه ، بل يسمع أن نفس ماتت أيا كانت وما أظنه يخفى عليكم حاله عندما توفي عمه أبو طالب وزوجته خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها – وأبناه ونرى تأثره عندما توفي ذلكم اليهودي وعندما قيل له إنه يهودي قال إنها نفس فارقت الحياة ولم تدخل في الإسلام ، فيا أمة محمد ويا من تتشدقين بانتسابك إليه ما بالك قد فارقت سنته وسيرته ومنهجه العذب ، وماذا أصابك حتى ركنت إلى الدنيا وزخرفها حتى لم يصبح للموت في نفسك واعظا ولا زاجرا لم يعد للموت وسكرته والقبر ووحشته ويوم الحساب وشدته في القلوب صدى وخوف ورجاء ، فهل ضاع الإيمان من نفوسنا وفارقت الروحانية أرواحنا ، فأصبحنا كالحيوانات – والعياذ بالله- جسم من الروح خواء ، ومن العقل البصير هواء ، ما بال المادية الغربية قد وصلتنا سمومها حتى طمت وطغت فلم يعد ينفعنا صوت واعظ ولا واعظ صوت من منكوبين أو مستصرخين ، يا للهول من حال أمة بين يديها دستورها ولكن لم تلجأ إليه ، فهل من رجعة إليه وهل من نهلة ترتوي منه .
الوقفة الثانية : ابتعد الناس عن خالقهم ابتعادا شاسعا حتى بهم رياح الفتن من كل حدب وصوب فهوت بهم في مكان سحيق ، وابتعدوا عن المنهج الصافي حتى ضلت بهم دوامة الحياة وما ذلك إلا بما كسبت أيديهم حتى ما عاد القلب في صلة بخالقه ، فأصبح عندهم اختلال في المفاهيم – وهذا أمر خطير جدا – وضلال في البصيرة حتى أصبح البعض منهم يمشي في هذه الدنيا بلا بصر إلى الهدى يقوده ، ولا بصيرة عن الغي سائقه ، فمن منهم إذا أصابه مكروه أو مصيبة ذكر الله وقال ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) ومن منهم إذا رزقه الله بمولود سواء كان ذكر أو أنثى حمد الله وقال ( اللهم اجعله قرة عين لي ) وكم منهم من إذا أصابه شيء راجع دفتر حساباته ورفع ملفاته إلى طاولة المراجعة ، ماذا قدم وماذا أخر ، فليوقن أنه لن يضجر بعد هذا وإن حدث فالكيس من دان نفسه وعمل ما بعد الموت وليعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطئه لم يكن ليصيبه ، وليتذكر أن الله مطلع على السرائر وإنه سبحانه يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور وإن الله عزيز ذو انتقام وإن مع ذلك رؤوف بعباده رحيم بهم ، وبعد هذا وذاك ... إنها دعوة صادقة لقراءة الواقع بعين ثاقبة وبنظرة حادة إلى هذه الأجواء المتلاطمة والمغبرة التي صعب فيها النظر فأصبح المجهر – القرآن والسنة – في أمس الحاجة للعودة إليهما فإنها يإناء من طول الفراق ومن كثرة الغبار المتراكم عليهما ... فيا أمة الإسلام ويا أمة محمد... إنك بضلالك وببعدك عن دستورك تعس العالم ، فالعالم في كل مكان يصرخ من وطأة الظلم والطغيان ، وأشتاق إليك، فقد خسر العالم بانحطاطك جوهره –كما يقول أحد الكتاب - فأصبح جسم ممد معرض للأمراض في أي وقت وحين فلم يعد فيه أسباب المناعة ، فإلى ريادتك حنّ وإلى قيادتك اشتاق ، إنه يئس من ظلم الطغاة المستبدين الذين ينادون بالعدل ولا عدل وبالمساواة ولا مساواة وبالحرية ولا حرية بل بالحياة ولا حياة ، إنها كلمات أنقلها إليك أمة الإسلام ولتعلمي إني أخاطبك بلسان الآمل المتفائل ليس بلسان القانط العابس ، فالخير فيك وفي كل فرد من أفرادك و كل مسلم معتز بإسلامه ، شاعر بالمسؤولية .. هذا .. فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري الله